لقد بلغتُ عامي الأربعين مؤخرًا، وأصبحت، رغمًا عني، أنتسب إلى أولئك الذين ينظرون إلى الوراء أكثر مما ينظرون إلى الأمام. إنه عالم من صنع الرقابة، التي تجاسرنا غالبًا على رفضها من منطلق حقوقي أو سياسي، لكننا لم نقترب بما يكفي من أثرها الاجتماعي والأخلاقي، ولم نتحدث بما يكفي عن التشوُّهات التي تصيب مجتمعها الحاضن، وإلا فكيف أصبح أكثرنا يبصبص على العالم من عين الرقيب ويحتكم إلى منطقه؟ في مجتمع تتجاوز فيه الرقابة وجودها الفيزيائي بصفتها جهاز إداري، لتشكل ثقافة مهيمنة وضاغطة في جميع التفاصيل، يصعب على المرء أن يتبنى موقفًا قائمًا على معطيات واضحة ومسماة، أن يختبر قناعاته أو يكتشفها، وبتعبير هنري ستيل كوماجور: «الرقابة تخلقُ مجتمعًا لا يستطيع أن يكون راشدًا»، وهذا ما صرنا إليه؛ مجتمع من القُصَّر الأبديين؛ كائنات عالقة في «لمبو» الطفولة المدنية، وقد صودر حقها في التحوُّل إلى مواطنين مكتملي النمو، وحُكم عليها بالعيش خارج قوانين التأثر والتأثير الحضاري، ومن ثمَّ خارج التاريخ.