لم يعرف القانون الدولي قبل اتفاقيات جنيف الأربع ما يسمى بالنزاع المسلح، بل كان المصطلح السائد هو "الحرب"، وكان القانون الذي يتعلق بذلك هو "قانون الحرب". وكان مفهوم الحرب يتعلق بالدول فقط، دون أن تشارك فيه عناصر أخرى. غير أن التطور الحاصل على صعيد الفقه والعمل الدوليين أدى إلى بيان قصور نظرية الحرب عن تغطيتها لحالات خطيرة ألحقت الأذى بالبشر، وهو ما مهَّد الطريق لمصطلح جديد وأوسع وهو "النزاع المسلح"، ومنه ظهر "قانون النزاع المسلح". لقد كانت الصراعات والحروب ولا تزال سمة الحياة الإنسانية، فقد عانت البشرية منذ القدم بآثار النزاعات والصراعات، التي تسببت في خسائر بشرية ومادية لا يمكن حصرها. غير أننا نتساءل هنا حول مدى العلاقة التي تربط هذه الحروب بمصطلح الإنسانية ؟ وهل يمكن أن يحصل اندماج بين المفهومين؟ إن مسألة الربط بين الحرب والإنسانية، تستوجب منا التمييز بين الحق في اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة، وبين الالتزامات الواجب احترامها بين أطراف النزاع المسلح. وما يعنينا في هذا الإطار، هو تلك الالتزامات الواجب احترامها في حالة النزاع المسلح بين أطراف هذا النزاع، ذلك أن مسألة الحق في اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة لا ترتبط بمسألة الإنسانية، وإنما ترتبط بمسألة شرعية وعدم شرعية ذلك النزاع، وهذه يحكمها ما يسمى بـ " قانون اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة "، أو "قانون الميثاق " أي ميثاق الأمم المتحدة، الذي حظر الحرب وأجازها في حالتين فقط، وهما حالة الدفاع الشرعي عن النفس، وحالة الأمن الجماعي بموجب الفصل السابع من الميثاق. ومن ثم، فإن العلاقة التي تربط الحرب بالإنسانية، تتمثل في ذلك الجانب المتعلق بتلك الالتزامات الواجب احترامها أثناء النزاع المسلح، وهذه الالتزامات لا تتعلق بشرعية النزاع من عدمه، بل تُفرض على عاتق أطراف النزاع بمجرد بدايته. إن هذه الالتزامات المفروضة على عاتق أطراف النزاع تشكل ما يسمى اليوم بجوهر القانون الدولي الإنساني. وتتمثل هذه الالتزامات في تلك القواعد المتعلقة بسير العمليات العدائية، وقواعد حماية ضحايا النزاعات المسلحة أثناء النزاع.