ماتبقى لكم (غسان كنفاني)

هذه الرواية تجربة جديدة لغسّان كنفاني في البناء الفنّيّ وفي المضمون الروائي، أفادت من تحوّلات الرواية المختلفة، ومن رواية تيّار الوعي، ومن التداخلات الزمانيّة والمكانيّة ومن رموزها الفنيّة.على أنّ أهمّ ما في الرواية يندرج في سياق الوعي والرؤية، فهي تنسجم مع (رجال في الشمس) من حيث رفضها للهرب والإنسحاب من الواقع بحثاً عن حلولٍ وهميّة، وتجعل المقاومة من حيث الناحية العمليّة داخل السياق الروائي قدراً مقدوراً.لم تقف آثار المأساة لدى الفلسطينيّ عند حدّ معيّن، فهي مأساةٌ متناسلةٌ متوالدة، ما إن بدأ يفيق قليلاً من تبعات النكبة وأهوالها حتَّى يعاني من احتلال قطاع غزّة إثر العدوان الثلاثيّ على مصر عام 1956، فصوّر لنا غسّان كنفاني ببراعة أثر هذه الأحداث المأساويّة المتلاحقة في حياة أسرةٍ فقدت الأمن والحماية وفقدت الحامي والمعيل، فالفتاة تتعرّض لإعتداء إنسان خائن جبان، فإذا ما تزوّجها أفقدها كلّ معنى للكرامة الإنسانيّة، وشى بالفدائيّين لينفّذ فيهم الإعدام.ولم يكن أمام الفتى إلّا الانسحاب عبر الصحراء بحثاً عن أمّه في الضفّة الغربيّة، ولكن الفتى هذه المرّة يفاجأ بالجنديّ الصهيونيّ، وتصبح المواجهة قدراً مقدوراً، فينزع سلاح هذا الجنديّ المتغطرس المحتمي بالقوّة، ويستولي على (مطارة) الماء، ليموت الجنديّ ظمأ كما مات مواطنوه الثلاثة بفعل الحرّ والظمأ في الخزّان في رواية (رجال في الشمس).فتحوّلت الشخصيّة من شخصيّة سلبيّة تعيش تحت وطأة ردود الفعل، إلى شخصيّة مبادرة تملك زمام الفعل، وتتحكّم في مصيرها ومصير عدوّها.في هذا الوقت والساعة تدقّ معلنةً عن زمنٍ جديد، تكون أخته مريم قد غرست سكّينها في جسد زكريّا القذر الخائن، وانتقمت من فعله الدنيء، في تلاحم واضح بين مقاومة العدوّ في الخارج وتشوّهات أعداء الداخل.